المنستـــــير

 

 

 

مجرد ذكر اسمها إيحاء و شحنة أحلام.فهي نقاوة الجو، و صفوة السماء، وسكرة الموج النشوان و انتعاشة الأفق الأزرق ساعة ميعاده مع التربة المضيافة. إنها المنستير... بل قل أحضان حبيبة تحن و تتلهف لضم الحبيب حطت رحالها يومابالشرفة الجنوبية لخليج الحمامات.حطت رحالها لتعيش حلمها الأبدي و هي متوسدة ضفاف الأبيض المتوسط تهدهدها أمواجه و تحكي لها مغامراتها الشيقة مع الزمن. وهي تدعوك في كل حين للاستمتاع بدورك بمفاتنها الخلابة و بهدوء مزاجها و سحر طبيعتها الرقيقة الفواحة

و حين تستضيفك المنستير يتملكك شعور قوي باكتمال السعادة فهي البحر و الشاطئ و الرمال الفضية في أحسن صورة، وهي الحقول العطرة و الهضاب الوديعة، وهي النخيل الباسق... ثم إنها بعد كل هذا و ذاك عنوان الكرم و الاقتبال كما يصورهما الشاعر العربي يوما مهما فاضت القريحة.

وفنادق المنستير كثيرة رفيعة الطراز بها كل مرافق الإقامة و النزهة و الاستجمام.مواقعها ممتازة لا من حيث جمال المحيط فحسب و إنما من حيث هوائها الطلق و إشراقة سمائها و رحابة إيوائها. فبالرغم من تدفق الزائرين لن تشعر لحظة بالاكتظاظ كما شعرت به مرة في مواقع أخرى    

  من روس بينا إلى المنستير

يوليوس قيصر اختار"روس بينا" الغابرة لتكون درعا لجيوشه في حربه الإفريقية.فقد كانت محصنة بثلاثة أسوار صماء مازالت بعض آثارها باقية إلى اليوم

و ازدادت أهمية المنستير العسكرية بتشييد الرباط من طرف دولة الأغالبة في القرن الثامن. وكان الرباط عبارة عن دير وضعه مصمموه ليكون في الآن نفسه مأوى للمتصوفين و حصنا عسكريا معدا لحماية البلاد من هجمات الغزاة القادمين من البحر. و لقد عاشت المنستير عصرها الذهبي في القرن الحادي عشر عندما أصبحت المدينة الدينية المثالية التي يؤمها الزائرون من كل حدب و صوب، وبعد أن فقدت القيروان منزلتها كعاصمة في عهد الدولة الفاطمية التي نقلت مركز النفوذ إلى المهدية، القريبة من المنستير

   لوحة الفنان  

 وولى عهد الغزاة و الفاتحين، وبقيت المنستير مع ذلك مصدر إغراء قوي إنما تغيرت وجهة هذا الإغراء و صار الغزاة ضيوفا مبجلين و الفاتحون زوارا كرماء. من حصن حصين يرد الأطماع الأجنبية غدت المنستير قطبا سياحيا عالميا يستهوي الشرقي و الغربي، الشمالي و الجنوبي.... كانت المنستير مثال "الانغلاق " الدفاعي فأصبحت رمز الانفتاح الحضاري 

طبعا من يقول المنستير يقول بادئ ذي بدء الشواطئ الامتناهية، و الرمال الحريرية تدعوك إلى المشي على الأقدام حتى طرف الدنيا. لكن المنستير ليست زرقة البحر وذهب الرمال فحسب بل هي كذلك سمفونية الألوان تتناغم في ألحانها خضرة الطرفة و الصبار و الزيتون و التين الهندي و لهيب الجهنمية والأحمر القاني للخبيزة و اللفحة البنفسجية لإبرة الراعي و صفاء الياسمين 

تلاقح موفق بين الماضي و الحاضر

 بعد أن أحرزت تونس على الاستقلال، حضيت المنستير في نطاق المجهود القومي للتنمية السياحية، بإمكانيات هامة جعلت منها مركز استجمام و اصطياف تتوفر به كل مرافق الإقامة و الراحة. فالمنستير هي بمثابة مثال مصغر للبلاد التونسية حيث تجانس العتيق و الحديث، الموروث و المحدث، في وفاق منقطع النظير

أنجزت بالمنستير أشغال كبرى لإحياء معالم الماضي المجيد، فلقد تم ترميم حي الشراقة برمته و فتح به شارع جديد تتوالى على جانبيه أرصفة المقاهي و المطاعم ذات الطابع المحلي المتميز، وفي إمكانك أيها الزائر الكريم أن تتوقف بهذه المحلات لتترشف فنجان شاي منعنع أو لتتذوق الطبخ التونسي الشهي، مع إلفات نظرك إلى هذا الحي قد أصبح اليوم القلب السياحي النابض لمدينة المنستير 

 لم تبخل تونس على المنستير بأي مجهود من أجل أن تجعل منها مركز اصطياف ممتاز. ذلك أن هذه المدينة قد حباها الله بموقع جغرافي فريد من نوعه و بطقس مثالي الاعتدال و بمواقع سياحية و معالم تاريخية تؤهلها عن جدارة للعناية التي خصت بها

 

و تشهد بأهمية هذه العناية مركبات الفنادق الفاخرة التي تتوالى على امتداد سواحل الدخيلة و صقانس و مطار الحبيب بورقيبة الدولي و ميناء النزهة الجديد و فصر المؤتمرات المجهز بكل لوازم و معدات الندوات الدولية، و شبكة الطرقات الطيبة جدا، وخط السكة الحديدية الرابط بين المنستير و سوسة والمهدية، و رحابة شوارع المنستير و وفرة المساحات الخضراء المهيأة بجوانبها و كذلك المركز الجامعي الضخم الذي شيد بهذه المدينة

و المنستير نظيفة و نقية الملامح. ومما يزيد في بهاء طلعتها و يضفي عليها طابعا سحريا يميزها عن بقية المدن مزجها الموفق بين الحديث و القديم، بين ما يقتضيه العصر من فضاء مناسب للحياة اليومية و بين رغبة أهاليها في الحفاظ على تراث الأجداد. و لعل منتزه الرباط بنخيله المتمايل على جماعات الغادين والرائحين يمثل خير شاهد على هذا التلاقح الموفق بين الماضي و الحاضر

رحلة عبر الزمن

جولتنا بمدينة المنستير تنطلق من الرباط. هذا المعلم التاريخي الشامخ بأسواره العالية و برجه المشرف على آفاق البحر، تم تشييده سنة 796 كحصن حصين وهو اليوم يستهوي الجموع الغفيرة من السواح الذين يأنسون إلى سكون أجواءه و نعومة هواءه العليل في ضلال أسواره و سكينة غرفه. و في الصيف تقام سهرات الموسيقى و الأضواء فإذا بالحجارة تنبض حياة و كأنها تذكر الماضي السعيد

و أقيم داخل الرباط متحف علي بورقيبة للفنون الإسلامية و يكتشف الزائر ضمن الروائع الخالدة التي يحفظها هذا المتحف مخطوطات بديعة مكتوبة بالخط الكوفي، بعضها محلى بالمعادن النفيسة، و كذلك تحفا من المنسوجات القديمة على غاية من الجمال، و أواني بلورية، و أخرى من الخزف، و منمنمات ترجع إلى العهود المتعاقبة... و كل هذه النفائس تشهد بظهور حضارة بالمنستير كان لها شأنها و مجدها في التاريخ و لعل تحفة التحف هي آلة فلكية لقياس ارتفاع الكواكب تم صنعها بقرطبة سنة 927

و في إمكان زائر الرباط أن يتوقف لحظة بإحدى غرفه حيث يمكنه أن يتأمل مجموعة من السواري المنقوشة و من الحجارة اللحود التي يعود عهدها إلى القرن الحادي عشر و القرن الثاني عشر

و بالجناح الجنوبي، وفي الطابق الأول غرفتان للتعبد يعتقد بعضهم أنهما كانتا خاصتين بالنسوة

ما أن تتخطى عتبة الرباط لتخرج إلى الشارع حتى يفاجئك مشهد قد يبدو لك من أول وهلة في غير محله. إذ سيقع بصرك على سقيفة عملاقة تكاد تستند إلى الرباط. أنها الاستيديوهات التي تم داخلها تصوير الحلقات الثلاثة عشر لمسلسل " عيسى" و عدة أفلام شهيرة أخرى مثل " مغامرو السفينة الضائعة" و غيرها

إن جمال المنستير الفذ، وصفاء ضياء السماء التونسية قد أبهر أكثر من مخرج سينمائي و تلفزي و ما هذا إلا بداية أثبتت أن للمنستير مستقبلا زاهرا في الميدان

و على مقربة من هناك نجد زاوية السيدة زينب وهو مسجد كان في القديم يكتنفه رباط ثان ضاعت أثاره اليوم و هناك رباط ثالث يستحق الزيارة و اسمه زاوية سيدي ذويب

لكن جامع بورقيبة يبقى تحفة تحف الفن المعماري الإسلامي الأصيل، أقيم هذا الجامع سنة 1963.و لقد أبى مصمموه إلا أن يوفوا العبقرية الهندسية الإسلامية القديمة ، فجاء إنجازهم آية في الدقة و الرقة و الإخلاص لذوق الأولين و مزاج المعاصرين. و يستند بيت الصلاة المقام في شكل قبة فاخرة إلى 86 سارية من المرمر الوردي اللون. و يتصدر هذا البيت محراب مزخرف بالفسيفساء الذهبية و للجامع 19 بابا مصنوعا من خشب الساج الرفيع في ورشات القيروان للصناعة التقليدية. و يقع بصرنا غربي المنتزه على جناحين ذوي شكل هندسي يعد 8 زوايا يخال الناظر أنهما يحرسان المقبرة البحرية حيث تتصدر قبة سيدي المازري ولي مدينة المنستير، و رغم الخشوع الذي يغلب على الجو الصامت بهذا المكان فإن المتأمل في مشهد القبور البيضاء ليشعر كذلك بمسحة من الجمال الكئيب، لعلها صادرة عن الإحساس بعظمة الزمن

و يهيمن على هذا المكان ضريح آل بورقيبة بقبته الذهبية الساطعة و برجيه التوأمين. و قد أقيم هذا الضريح في نقس التاريخ الذي شيد فيه جامع بورقيبة وهو ما يمثل كذلك أنموذجا فريدا للفنيات المعمارية التقليدية. و على يمين الضريح نجد زاوية صغيرة هي زاوية سيدي بوزيد التي تتميز قبتها بزخرفة طريفة أنجزت بواسطة أنابيب خزفية دقيقة. و على اليسار قبة أخرى تأوي قبور آل بورقيبة

كاب المنستير

البحر متواجد في كل مكان بالمنستير. شارع الكورنيش يطل طوال امتداده على الأمواج الزرقاء ليفضي إلى ميناء صيد صغير يثلج الصدر جمالا و رشاقة و قد هيأ هذا الميناء بين شبه جزيرتين

و على مسافة قصيرة جدا من ضفة البحر يقع البصر على جزيرتي سيدي غدامسي و الوسانية اللتين تربطهما إلى بعضهما إلى الضفة أرصفة تأوي المحطة البحرية الساحرة" كاب المنستير"

هذه المحطة تحظى بموقع ممتاز يجعل منها الميناء المثالي لهواة الملاحة الترفيهية إذ هي لا تبعد أكثر من مسافة 5 دقائق بالسيارة على المطار الدولي الحبيب بورقيبة- المنستير، و بضع ساعات جوا أو مسافة يوم بحرا على أوروبا

و تبلغ طاقة إيواء هذا الميناء الترفيهي 400 وحدة بحرية وهو مندمج في مركب سياحي يضم مركز إقامة فاخر تلامسه أمواج البحر، و يحتوي على مطابخ و دكاكين و عدة مرافق أخرى من بينها "حمام" للاغتسال

و من وراء هذا الميناء يشاهد الزائر " جزيرة الحمام" و يقع بصره عند أقدام الساحل الصخري على كهوف الكحلية التي توجد على مستوى مياه البحر و التي يمكن أن تكون خاتمة المسك لجولتنا بشارع الكورنيش و منطلق زيارتنا للمدينة العتيقة 

دنيا الابتسام و الطيبة و السكينة

لا تتمالك و أنت في أنهج المنستير القديمة أن تبحر في دنيا الأحلام و الذكريات، فتوحي لك أبواب المنستير الاثنتي عشرة بحكايات العشاق وما جرى لهم لما أقدموا على أكل "الغلة" الحرام... فهذا باب الخوخة،  و ذلك باب الدرب، و الثالث باب البنات و الرابع باب بريقشة

ففي هذه المدينة لا يمكنك أن تعيش خارج الزمن ...

إنه نشاط دائب طوال الممرات الملتوية، والأنهج المتشابكة، والأسواق الشبيهة بشهدة النحل. هذا يطوع الجلد، و ذاك ينقش النحاس و الآخر يعرض زربيته على المارة. و تدغدغ مسامعك فجأة موسيقى إيقاعية فإذا بها صادرة عن مطرقة فنان و كأنها صدى لإيقاع أزلي على أوتار الأزمان المتعاقبة

إنها دنيا خيالية، دنيا الأضواء العجيبة و الانطباعات الشاعرية و دنيا الابتسام الدائم و الطيبة و السكينة  

  فنادق و مرافق للراحة و الترفيه

تتوفر بمدينة المنستير أفخر الفنادق و المرافق السياحية المختلفة، وتتواجد الفنادق الكبرى بالأخص في منطقتي صقانس و الدخيلة، و هما من أجمل الجهات الساحلية بالبلاد التونسية

و قد تجهزت فنادق المنستير بكل اللوازم السياحية و المرافق العصرية و هي توفر لحرفائها مجموعة لا تحصى من النشاطات الرياضية، مثل "البيدالو" و اللوحة الشراعية، و التزحلق على المياه، و المضلة الصاعدة، و النزهات على متن الزوارق

كما أن العديد من الفنادق تنظم لمقيميها بالإضافة دروسا في لعبة التنس، و الفروسية و غيرها من الرياضات، و يشرف على هذه الدروس مدربون أكفاء. ثم إن المنستير هيأت لهواة "الغولف" ميدانا ذا 18 ثقبا وهو صالح للمباريات الدولية و لمباريات الهواة

و لئن حفلت أيام المنستير بالحيوية و النشاط فإن لياليها لا تخلو هي الأخرى من السهرات الشيقة إذ في إمكانك أن تسهر إلى الفجر بنوادي الموسيقى و أن ترقص إن طاب لك دلك على أنغام البدوي و الشرقي التي تعزفها أوركسترات تونسية  

مدينة المؤتمرات... و المتعة 

هي أرض اللقاء و ربوع التلاقح الحضاري فلا عجب أن تستقبل المنستير كل الزوار مهما اختلفت مشاربهم و تباينت مقاصدهم. فبفضل حلاوة مناخها و إشراقة شمسها يجمع المرء بين الجد و الترفيه. و لذلك يطيب بالمنستير تنظيم الندوات و الملتقيات و المؤتمرات

و قد قرأت حسابا لذلك إذ تجهزت في هذا الشأن بكل الهياكل الأساسية الحديثة التي تعتبر من أجود و أفضل ما يوجد بحوض البحر الأبيض المتوسط

و يتصدر رأس القائمة الطويلة قصر المؤتمرات الذائع الصيت الذي يتصدر وسط المدينة. و تبلغ طاقة إيواء هذا المبنى ذي الهواء المكيف ألف مقعد، به 3 قاعات لجان و حجرات ترجمة فورية، آلة عرض سينمائي 16 و 13 و 70 ملم، و كذلك تجهيزات صوتية غاية في الدقة

أما إذا رمتم إطارا أقرب إلى زرقة المياه و أنغام الأمواج و لألأة الرمال، فإن فنادق المنستير توفر لكم قاعات مثلى لاجتماعاتكم و أشغالكم و مداولاتكم

إن العديد منها مجهز فعلا بأحدث المعدات لإيواء و تنظيم اللقاءات الدولية و جلسات الأعمال، و المحيط يصبح في هذه الصورة ساحرا مريحا و منشطا

 بعبارة ليس أفضل من المنستير لجمع العمل الجدي الناجح بالأوقات المريحة الممتعة 

طوق فواح حول المنستير

 

لن تكتمل معرفتكم للمنستير و إقامتكم بها إلا إذا اغتنمتم الفرصة لزيارة المناطق القريبة منها، هذه المناطق التي اشتهرت بكرم ضيافتها و بحفاوة أهاليها طالما أنها بقيت عبر الأزمان مفتوحة لكل زائر متفاعلة مع الحضارات المتعاقبة، متفتحة لكل الثقافات الإنسانية

ففي دائرة لا يتعدى قطرها 100 كلم يمكنك أن تزور سوسة، جوهرة الساحل ذات الطلعة البهية، و القيروان عاصمة الأغالبة الشهيرة بجامعها الكبير، و الجم التي يتصدرها مسرح " الكوليزي" الروماني، المهدية عاصمة الدولة الفاطمية و أول ميناء للسمك الأزرق بالبلاد التونسية، قصر الهلال التي اشتهرت منذ العهود الغابرة بجودة نسيجها و التي كرست هذا الصيت بإحداث صناعة نسيج عصرية ممتازة للغاية و مكنين التي ذاع صيت مصوغها و ملابسها البربرية و فخارها

و لا تنسوا أن تدمجوا ضمن برنامج هذه الزيارات مدينة جمال و سوق جمالها الشهير و قصيبة المديوني و سوق زرابيها البديعة

و بعد هذه الجولة، لا يبقى لكم إلا أن تقضوا أياما ممتعة بالمنستير حيث تنتظركم أشعة الشمس الدافئة على الرمال الذهبية التي سوتها لكم أمواج البحر الأبيض المتوسط طيلة قرون و قرون

و لا شك أنكم ستأنسون إلى المنستير و أهالي المنستير إلى حد تشعرون معه أنكم صرتم من سكان المدينة التي سحرتكم بطبيعتها و جمالها ووداعتها

و لسوف تبقى المنستير في انتظار اللقاء بكم لتهديكم ساعة موعدها بكم " مشموم الياسمين " كعربون لوفائها لذكراكم... واعتراف بمشاعركم اللطيفة نحوها